المطربه لميعة توفيق واللقاء الفني الاول مع الموسيقار سالم حسين
2013-10-19
سالم حسين الامير
المطربه الكبيرة لميعة توفيق
واللقاء الفني الاول مع الموسيقار سالم حسين
كتابة : الموسيقار سالم حسين الامير
عدتُ والعودُ أحمدُ *** لبلادي أنشدُ
قادني الشوق طائراً *** لرياضي أغردُ
دجلة الحبِ والهوى *** وفراتي الممجدُ
بعد غيبتي الطويلة التي أمضيتها في عواصم ومدن جميلة متنقلاً بين الاودية الخضراء والجبال الشماء ومياه الابيض المتوسط الزرقاء وبرامج بيروت المسائية , وسفري الميمون لأم الدنيا قاهرة المعز, وتجوالي على شواطئ نيلها وظرافة ناسها وشموخ أهراماتها وروعة أنغامها , وما قدمته من نشاط ونتاج فني وأدبي , عزز وثبت من حضوري الفني , في هاتين العاصمتين ( بيروت والقاهرة ) وبدعم وتأييد من عباقرة الفن والادب الذين احتضنوني بكل التقدير الذي كان حافزا كبيراً لذلك النشاط المستمر .
عدت الى بغداد عاصمة الرشيد والامجاد وانا محمل بالكثير من الاعمال الفنية والابداعات التي لم يتسنى لنا القيام بها مسبقاً لفقدان المؤازرة من الدولة والافتقاد الى الخبرة الفنية ، واول ما قمت به بعد يومين من وصولي , وترحاب احبابي واصدقائي بي , هي دعوتي الى زيارة مبنى الاذاعة والتلفزيون واللقاء بزملائي الفنانين وبعض المسؤولين في هذا المبنى الكبير فاذا بصديقي الفنان ( علاء كامل ) وعلي عبد الرزاق حسن مدير قسم الموسيقى في الاذاعة يسلمني امر تعييني عازفاً مع الفرقة المسائية الكبيرة ومسؤولا عن الانتاج الفني ورئيساً للفرقة الصباحية المنوط بها تسجيل الاغاني الريفية لمطربي الريف ، كوني من ابناء الريف ولي الحان ريفية جميلة , كما كنت قد سلمتهم بعضاً من تسجيلاتي التي تمكنت من الحصول عليها والتي سجلتها خارج العراق ، وقد اعجب الجميع بها عند الاستماع لها . وعند بدأ السنة الدراسية في معهد الفنون الجميلة طلب مني الحضور والتدريس في القسم المسائي لمعهد الفنون الجميلة حيث صدر أمر تعيني مدرساً في معهد الفنون الجميلة ابتداءأ من 12/11/1961 بوظيفة مدرسا لآلة القانون وتاريخ الموسيقى العربية والتراث الغنائي الشعبي قد يكون ذلك بعضا مما كنت أتوقعه غير أني كنت منهمكا بما أحمله من أفكار ومشروعات في خدمة بلدي ومنها , فكرة تشكيل فرقه للفنون الشعبيه , والتي تشكلت من مجموعة من الهواة , اطلقت عليها اسم فرقة بغداد للفنون الشعبية ، اسوةً بفرقة الانوار للفنون الشعبية وفرقة الرحابنة في بيروت وفرقة رضا في القاهرة , التي كانت تشغلني عن أي شيء آخر.
رضيت بالدوام الصباحي في الاذاعة والتلفزيون وتسجيلاتهما وكذلك عازفاً في الفرقة المسائية في يومي الاحد والثلاثاء , ان لم يكن لي محاضرات في معهد الفنون الجميلة القسم المسائي . وبعد اسبوع تقريباً ( على ما اتذكر ) صادف تسجيل اغنية للمطربة الريفية الكبيرة لميعة توفيق مع الفرقة المسائية وكان دوام الفرقة يبدأ من الساعة 5 مساءاً حتى الساعة 8 مساءاً وكانت الفرقة الموسيقية والكورس والمطربة لميعة توفيق , كلنا بأنتظار الملحن المبدع محمد نوشي الذي تأخر عن الحضور بسبب نجهله , حيث كنا نتبادل الاحاديث والنكات الظريفة , انا والاستاذ الموسيقار روحي الخماش ، اذ قال لي :" انا اليوم متنازل لك عن رئاسة الفرقة فشوف شغلك" ، ولما عبرت الساعة 5.30 , علمنا ان الملحن لم يتمكن من الحضور بسبب وعكة صحية ألمت به ، مما دعاني الى الايعاز بأستراحة لمدة ربع ساعة للفرقة والكورس , في الحانوت والعوده الى الاستوديو,( اذ لم تكن هناك لا كافتيريا ولا مطعم في هذا المبنى ) , كما طلبت من المطربة وشقيقتها حليمة توفيق التريث بعض الوقت في الاستوديو, فجلست اداعب اوتار قانوني بلحن ريفي خفيف , وعند اكماله اسرعت بنظم كلمات على ايقاعه السريع الجميل واخذت في تحفيظه الى كل من المطربة لميعة وشقيقتها حليمة التي سميت بعد ان قدمتها بلحن ( ملايات الماي- أغنية حلوة وجميلة هالبلد) بأسم ( غاده سالم ) فحفظ اللحن ونوطه الموسيقار روحي الخماش كمسودة يستند عليها بالعزف وطلبت من احد افراد الكورس ان يذهب الى المقهى القريب من مبنى الاذاعة ويأتيني بعازف الطبله الريفيه ( الخشبه ) عبد الرزاق طاهر هو وطبلته . وعندما حضر كنت قد اكملت الاغنية كلماتاً ولحناً ( شوي شوي عيني شوي) فسألني ضارب الطبلة :" شلون ؟ " فاشرت له مع تحريك يدي فقط واعني بها الفواصل من غير موسيقى او غناء لا كما استعملت بعد ذلك دون تنسيق ، وعند حضور الفرقة الموسيقية والكورس بدأنا بالبروفات وقد حفظت الاغنية من قبل المطربه لميعة توفيق ومن الفرقة الموسيقية والكورس والطبلة الريفية وكان مهندس الصوت في غرفته يوعز لنا بالتسجيل ، واذا بالاغنية تسجل بدون توقف . فأثارت حينها ( لجمالها وسلاسة لحنها وكلماتها) , ضجة بين موظفي الاذاعة والعاملين ، فأذا بنا نفاجأ بوجود المدير العام للأذاعة والتلفزيون بغرفة مهندس الصوت والتسجيل وبمعيته مدير قسم الموسيقى وبعض المذيعين يستمعون لهذا التسجيل . وطلبت من المهندس فتح الصوت داخل الاستوديو لنستمع معا للأغنية .
أستمع الى هذه الاغنية - شوي شوي عيني شوي
وبعد الانتهاء من الاستماع منحت استراحة للفرقة وللفنيين , وطلبت منهم الحضور بعد 15 دقيقة الى الاستوديو اذ ان هناك لحناً اخر خفيفاً سنسجله ايضاً . كان لتفاعل الحضور ودعم المسؤولين وأهتمامهم , حافزا لي لأستثمار نشاط وحيوية الفرقة نتيجة لذلك , مما دعاني الى الطلب من المطربة لميعة , تسجيل لحن آخر , اذ قالت وعلامات الفرح والسرور بادية عليها " اني حاضرة للحفظ " . وفعلاً بدأت في وضع اغنية ثانية على طور السويحلي الذي تجيد غناءه المطربة لميعة توفيق , اذ انه غناء فالت بدون ايقاع , غير انني جعلته بنوعين البداية يغنى مع الموسيقى والايقاع الوحدة الكبيرة كلازمة واعادة الشعر في الكوبليه غناء على ايقاع الوحدة المقسومة ثم دخول الكورس بكلمات اخرى على نفس الايقاع ( مشينا يمه مشينا نتلكا ساهي العين) . وبعد ان اتقنتها شعراً ولحناً وحضرت الفرقة الموسيقية والكورس فأذا بالاغنية تسجل بعد التمرين الاول عليها وكان التصفيق الحاد من قبل الكورس والمتواجدين في الاستوديو وغرفة التسجيل وقد علق الاستاذ روحي الخماش على ذلك الانجاز فقال :" ان الاستاذ سالم حضر بغداد, مشحون الباتري بعبقرية ونشاط عباقرة الفن في القاهرة وبيروت ومندري شراح يتحفنا بعد " . وبعدها علقت المطربة لميعة توفيق بأستغراب ولم تصدق نفسها انها تمكنت من تسجيل اغنيتين جميلتين بهذه السرعة كحفظ واداء وهي تقول :" لم اكن اصدق نفسي ان هناك هكذا فنان ينظم ويلحن ويخرج في آن واحد وخلال ساعتين فقط ".
وانتهى الوقت والكل يتحدث عن هذا الانجاز الذي كانت نتيجته كتاب شكر في اليوم التالي من المدير العام للاذاعة , اذ لم يحصل ذلك من قبل في تاريخ الاذاعة , لا سيما وان مديرها عسكري . عندما كان في غرفة التسجيل قال بأعتزاز كبير " حصلنا على مكسبين كبيرين وجميلين هذا اليوم ، فشكراً لك ايها الشاعر والملحن والعازف والمخرج ايضاً" .
وما ان شاع الخبر حتى تلاقفته الصحافة مرحبة بقدومي وعودتي من رحلتي الفنية الممتازة وما أثمرته من نتائج فنية مبهرة ,عبرت عنها بكلمات الاطراء والاشادة بما أنجزته . بعد ذلك تعاملت مع المطربة لميعة توفيق بأغنيتين ايضاً احداهما من كلماتي والحاني ( جنهم نسوني احبابك يا قلبي اليوم *** لا ودعوني ولا كالوا الله وياك ) وهي بمقطعين ومقامين من مقام الصبا والكورس مقام العجم واغنية رابعه من الحاني أغنية ( ماتكلي ماتكلي يا كلبي شبيك ما حد يحن ويداويك)
استمع الى هذه الأغنية
وهي من الحاني أيضا غير اني لم اجزم انها من كلماتي ، مع أني أمتلك ذاكرة أشادت بها الصحافة واخيراً في قناة البغدادية حيث ذكر الصحفي داود الفرحان في برنامجه يقول :" ضعف جسم الاستاذ سالم حسين إلا ذاكرته القوية والصادقة دائماً".
لميعة توفيق مطربة ريفية كبيرة من مواليد( 1931 - 1997 ) ، تملك صوتاً جميلاً وحنجرة متمرسة ، كما انها تجيد غناء جميع الاطوار الريفية ، تعلمت الغناء من الموالد والافراح النسائية التي كانت تقام في المناسبات والاعراس عند النساء حتى نزحت الى المدينة ، أشتهرت بصوتها الجميل وأدائها الحسن بعد ان عملت في بغداد حتى اصبحت ربة عمل وصاحبة ملهى ، وكان روادها والمعجبين بصوتها يتلهفون لسماع صوتها الجميل عندما تغني في حفلة في احدى النوادي او المناسبات الوطنية او الموسمية ، قدمت عروضها في خارج العراق فعملت فترة من الزمن في لبنان وفي الكويت والخليج العربي وسجلت لها بعض الحاني في الكويت نسيت بعضاً منها ولكني أتذكر فقط أغنية ( ألوجن) بنغم يختلف عن نغمتها الاساسية ، لحن لها العديد من الملحنين ، وقد اشتهرت اغنياتها عربياً ، شاركت في الغناء بأفلام سينمائية ومسلسلات ريفية فهي احدى النجوم الغنائية العراقية الساطعة ( مثل زهور حسين ، ووحيدة خليل وغيرهن ) رفدت مكتبة الاذاعة والتلفزيون في العراق بمجموعة من اغنياتها ، كما أن لها في تلفزيون الكويت والوطن العربي أجمل الاغاني ولكافة الاطوار والالوان الغنائية ..... مما يوجب علينا ان نتذكر دائماً مبدعينا من النجوم اللامعة والساطعة في عالم الموسيقى والغناء والتأليف والتلحين والعزف ايضاً.