ضياع القوالب الموسيقية المصرية

2016-02-10

د. فتحي الخميسي

ضياع القوالب الموسيقية المصرية


الفنانون العراقيون " الأقرب الي قلوبنا " والي روح الفنان المصري بالوتر السابع / المحترمة السيدة فاطمة كوتاني : اقدم لكم مقالي هذا متشرفا بوجوده بينكم - عن غياب القوالب الموسيقية المصرية (كالقصيد والنشيد) عن فن اليوم في مصر

ضياع القوالب الموسيقية المصرية


بقلم : د. فتحي الخميسي


كيف وقع لنا هذا وتصدرت أغنية "اللحن الواحد المتكرر" أغاني مصر كلها ! كيف تقوم أغانينا اليوم وتسير في الناس وليس لأي منها سوي "لحن واحد متكرر" ! إنهم يتخذون اللحن الواحد سواء كانت الأغنية لعمر دياب أو لشيرين او لعلاء عبد الخالق أو لغيرهم ويهجرون القوالب المصرية بكاملها !
لن نسألهم أين القصيد ولماذا لم يضع واحد منهم قصيدا غنائيا في الأشرطة والعروض الغنائية! لقد هجروا القصيد لأنه من عدة ألحان (عدة شخصيات موسيقية) ولكل كوبليه فيه "لحن مختلف"
لن نسألهم عن الطقطوقة المصرية التي إختفت بالكامل رغم انها تتشكل على نحو غاية في الابداع حيث يتكرر لحن موسيقي واحد تعقبه كل مرة ألحان مختلفة ! تعبيرا عن مبدأ "الوحدة والتنوع"
لن نسألهم عن الحوار بين مطرب وآخر (أي بين لحن وآخر) والذي اختفي كأن لم يكن مع انه مفتاح التطور وبوابة النماء الموسيقي المعاصر! وأنتم تعرفون ان الحوار هو أن تتقاطع الألحان المختلفة وتكثر بهذا الألحان في الأغنية الواحدة لنري أغنيتنا وقد إمتلئت وكفت عن أن تكون ذات لحن واحد متكرر !
لن نسألهم اين الموشح إذ سيسارعون بالرد المعهود "هذا قديم للغاية" ، أو أين قالب " الدور" والذي اختفي بدوره ! أين التقاسيم أو التحميله ، أين الموال ! وسوف نسألهم عن واحد فقط من تراثنا هو "النشيد" وذلك لدلالته التاريخية وصفاته النادرة .
كان "النشيد" هو الوعاء الوحيد للغناء الجماعي المصري(الغناء الجماعي هو إسناد اللحن الرئيسي في الأغنية للجماعة وليس للفرد) .. ولم نعد اليوم نسمع منه شيئا .. كيف أضاعوه بعد أن آراقت ثلاثة أجيال سنوات عمرها وهي تشيده وتضع له من الأساليب ما يتفق وتراث المصرين؟ نعم ثلاثة أجيال كاملة ممثلة في ثلاثة مدارس موسيقية مصرية عظيمة : مدرسة محمد عثمان 1840 – 1900 مدرسة سيد درويش 1900 – 1930 مدرسة القصبجي السنباطي عبد الوهاب 1930 – 1965
كيف إختفي النشيد وأضحت الأغنية الوطنية غناء فرديا ! لاشك ان غياب النشيد يجعل الأغنية المصرية تتضائل بكل أنواعها إذ تصبح فردية اللحن على نحو مطلق ! ولنتوقف الآن عند السؤال الرئيسي : كبف غابت الان تسع قوالب موسيقية مصرية كاملة :
الموال ، الموشح ، القصيد ، الدور ، الطقطوقة ، التقاسيم ، التحميلة ، النشيد ، الحوار الغنائي
إنها إرث الوطن وكل تراثنا المعاصر والذي شيدناه عبر قرنين طوال (التاسع عشر والعشري) هل ماتت كلها ؟ لقد كان كل منها انجازا وطنيا بذلت بلادنا من أجله الكثير!
الواقع إن الأشكال الفنية الوطنية لا تموت مهما أهملناها ولا تنتهي أو تختفي فجأة ، والذي يحدث دوما – وهو الصحيح – أن تستولد وتأتي من قلبها أشكال جديدة .. ودون هذا التوالد ينقطع حبل الوراثة وتختفي وحدة وتواصل الثقافة الوطنية ، فيأتي كل جيل منقطع الصلة بفن آبائه ! هل يستطيع الابن الذي قطع الصلة بفن أبيه أن يبني فنا جديدا ؟ كلا .. إذ ليس هناك " جديد" في الفن وإنما " متجدد "
وأخيرا مازالت أغنية المطرب الفرد تحتل كل هذه المساحة من إبداعنا ولا نكاد في مصر اليوم نري غيرها ! آليس بوسعنا التقدم صوب التعدد بوضع أغنية يذهب فيها اللحن ويأتي – أضعف الإيمان – ما بين إثنين من المطربين ، اي إعمال مبدأ تناوب اللحن الواحد " مجرد التناوب" ولا أقول "الحوار" بين ألحان مختلفة ؟
الواقع والحقيقة إننا لابد وأن نتحرك بكامل جهودنا نحو الغناء الحواري ونحو الغناء الجماعي منطلقين في ذلك من قوالبنا التسع التقليدية .. أي نتحرك لغرس الجماعية والحوار في قوالبنا الوطنية .. ودون ذلك لن يظهر بصيص من أمل في التطور الموسيقي.

د فتحي الخميسي FATHIMISI@HOTMAIL.COM

تهيئة الطابعة   العودة الى صفحة تفاصيل المقال