أغنية "الروزانا". . تراث عراقي ولد في العراق وانتشر واشتهر في بلاد الشام

2021-02-03

د. باسل يونس ذنون الخياط

 أغنية "الروزانا". . تراث عراقي ولد في العراق وانتشر واشتهر في بلاد الشام


 أغنية "الروزانا". . تراث عراقي ولد في العراق وانتشر واشتهر في بلاد الشام

الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
 
 
"الروزانا" من الأغاني التراثية الجميلة التي اشتهرت في بلاد الشام ولبنان وفلسطين، وقد أرخ لها الشاعر والكاتب العراقي عبد الكريم العلاف (1894-1969)، حيث ذكر أنه في أواخر الحرب العالمية الأولى بحدود سنة 1918، ظهرت هذه الأغنية في مدينة الموصل، ولرقة نغمها وحسن معانيها التي لا تخلو من عواطف الحب انتقلت إلى حلب ومنها إلى بلاد الشام ولبنان وفلسطين.
و "الروزانا" عبارة عن (كوة صغيرة- فتحة كانت تُبني في البيوت القديمة) وكانت موجودة في البيوت العراقية؛ وفي بغداد يسمونها (رازونه).
ويحكي عبد الكريم العلاف قصة هذه الأغنية قائلا: في مدينة الموصل الحدباء، كانت هناك فتاة مخطوبة لأحد أقربائها، وكانا يتحدثان ويتبادلان الأحاديث من خلال (روزانا) موجودة بين دار الخطيب ودار الخطيبة. ولما علمت أم الفتاة أن أبنتها تتحادث مع خطيبها بواسطة تلك روزانا، قامت بإغلاقها، وجرى حوار بينهما:
قالت الأم : علروزنا الروزنا ... كل البلا بـيها
فأجابت الفتاة:
علروزنا الروزنا ... كل الهنــــا بيـها
وأشعمِلت الروزنا ... قمتي ســديتها؟!
....... الخ
لقد انتشرت هذه الكلمات من خلال هذه المحاورة بين الأم وابنتها حول الروزنــا في الموصل، وكان قُراء المقام والمطربين في الموصل يؤدونها في مجالس الطرب، ثم اصبحت كأغنية أو بستة بعدما كتب كلماتها شاعر موصلي مرموق من أصدقاء الملا عثمان الموصلي الذي صاغ ألحانها.
ومن الموصل انتقلت هذه الأغنية إلى حلب ومنها إلى بلاد الشام ولبنان وفلسطين، وقد تغيرت بعض كلماتها وأضيفت كلمات أخرى لها بتواتر الأجيال.
**لقد غنت هذه الأغنية الفنانة الكبيرة فيروز واشتهرت بها:
 
 
**كما غنى هذه الأغنية العملاق الحلبي صباح فخري:
 
وغنتها المغنية الفلسطينية سناء موسى:
 
وغنتها أمل مرقس:
 
وغنتها لينا شماميان:
 
**وغنتها **فرقة صول الفلسطينية:
 
روايات حول أصل أغنية "الروزانا":
**لقد نُسجت العديد من الروايات حول أغنية "الروزانا" لتأكيد عائدتها إلى بلاد الشام أو لبنان أو فلسطين، وقسم من تلك الروايات يستند على المقطع الذي يقول: (يا رايحين لحلب قلبي معاكم راح). ونقول أن الشواهد التاريخية تؤكد أن حلب هي توأم الموصل، وهناك علاقات تاريخية وثيقة بين المدينتين منذ أيام الدولة الحمدانية وما قبلها، وكانت التجارة بين المدينتين عامرة، وقد ورد ذكر حلب في عدد من الأغاني الموصلية، منها أغنية (تحبون الله ولا تقولون) والتي تقول كلماتها:
انا رايح لي حلب ... عليش توصيني **
**لاوصي مشط ومري .... ومكحلي لعيني **
وقد فنَّد الكاتب العراقي والمؤرخ المعروف الأستاذ الدكتور سيّار الجميل جميع الروايات حول أصل أغنية "الروزانا". وفي 11 مايو 2019 نشرت جريدة الزمان اللندنية مقالة عنوانها (سيّار الجميل يكشف معلومات تاريخية مهمة في محاضرة بلندن عن شاعر عراقي مغمور). فبعد سنوات من البحث والتمحيص اكتشف الدكتور الجميل أن كاتب أغنية (الروزانا) هو الشاعر الدفتردار عبد الله راقم أفندي الموصلي (1853-1891م)، والدفتردار هو أكبر منصب للشؤون المالية في الدولة العثمانية، وكان راقم أفندي بمنصب رئيس الدائرة السنية المرتبطة مباشرة بالباب العالي.
لقد كان راقم أفندي صديقا للملا عثمان الموصلي (1854-1923م)، وقد كتب قصيدة (الروزانا) وأعطاها إلى صديقه الضرير الملا عثمان الموصلي فلحنها بإيقاع الجورجينا العراقي فنالت شهرة واسعة.
كلمات أغنية (الروزانا) للشاعر الدفتردار عبد الله راقم أفندي الموصلي:
لقد نشر الأستاذ الدكتور سيّار الجميل نص أغنية (الروزانا) كما وردت في ديوان صاحبها الشاعر الموصلي عبد الله راقم افندي ( المتوفى عام 1891 بالموصل)، وهي مكتوبة باللهجة العامية الموصلية، انظر الصفحة 133 من ديوان عبد الله راقم افندي:
عالروزانا عالروزانا روح الهنا فيها ... احلف يمين الهوى نرجّع لياليها
وين اللي حبّوا قلبي ووين االي عنو مالو ... تاركلي الهم حبيبي وهو مرّيح بالو
يامن يردو جوابو او يبعت سؤالو ... نستحلي كلمي قلو يفهم معانيها
ياولفي خدني من هجرك يكفاني ... غيرك وحيات الهوى مالي حبيب تاني
اشون ترتاح فكاري ودموعي بأجفاني ... والنوم مجافي عيوني وعاش السهر فيها
*********
عالروزنا عالروزنا كل الهنا فيها ... وش عملت الروزانا الله يجازيها
يا رايحين لحلب قلبي معاكم راح ... يا محملين الرطب تحت الرطب تفاح
كل من وليفه معو وانا وليفي راح ... يا رب نسمة هوا ترد الولف ليا
لاطلع عا باب الجسر واحدو مع الحادي ... واقول يا مرحبة نسّم هوى بلادي
يا رب يغيب القمر لأقضي انا مرادي ... وتكون ليلة عمر، والسرج مطفية
لقد جرت بعض التبديلات على الكلمات الأصلية، فتغيرت كلمة " الرطب " العراقية إلى كلمة "العنب"، وتغير " وش عملت الروزنا" إلى " شو عملت"، وتحولت " قلبي" إلى " حبي" ، وتبدلت عا باب الجسر " إلى عا راس الجبل " وتغيرت " واحدو مع الحادي" إلى " واشرف على الوادي " .. و تبدلت " ليلة عمر" بـ " ليلة عتم".. الخ.
كلمة لابد منها:
في ختام هذه المقالة نتقدم بشكرنا وتقديرنا إلى الأستاذ الدكتور سيّار الجميل Dr. Sayyar Al-Jamil لجهوده الكبيرة التي بذلها من أجل إثبات عائدية هذه الأغنية إلى تراثنا العراقي الأصيل، وندعو فناني الموصل إلى أداء هذه الأغنية وبلهجتها الأصلية والتي كتبها بها راقم أفندي الموصلي.
وسواء أصرَّ الإخوة في سوريا أو لبنان أو فلسطين على عائدية هذه الأغنية لتراثهم وعدم اعترافهم بهويتها العراقية، فهم أولا أهلنا، وهي أغنية دخلت بكل كلماتها ولحنها وقوة تأثيرها الوجدان العربي، وتبقى الحقيقة التاريخية تشير إلى أصلها وثائقيا، وحالها كحال الكثير من أغاني الأسطورة الموسيقية الملا عثمان والتي تناقلها الآخرون في العالم العربي وآسيا واوربا.
تهيئة الطابعة   العودة الى صفحة تفاصيل المقال