لقاء فني مع الناقد الميزوجولوجي الاستاذ علي حنون المعلا

2019-01-05

لقاء فني مع الناقد الميزوجولوجي الاستاذ علي حنون المعلا

 أجرت اللقاء الأعلامية راجحة التميمي


واحده من اهم أدوات النقد الموسيقي والذي يعتمد على أطروحات علمية تعززها مناهج معيارية لتحليل وتفسير وتقويم المنجز الابداعي لذاته ، هو عملية (التحليل الميزوجولوجي) للأعمال الفنية الغناسيقية، وهي عملية تفكيك العمل الموسيقي الى عناصره الاولية والمتكونة من (النص المكتوب واللحن والايقاع والهارمونية وسير النغم على السلم الموسيقي والكونترابونطية ان وجدت) ، لغرض أبراز نقاط القوة والضعف في العمل وأبراز جمالياته والوقوف على الحبكه اللحنية التي استخدمها الملحن او المؤلف الموسيقي من ( تتبع النغم والتنقلات المقامية وتنوع الايقاعات) وغيرها ، وبالتالي معرفة الفكر الموسيقي الذي يتبناه.

ضيف موقع الوتر السابع الباحث والناقد الميزوجولوجي الاستاذ علي المعلا الذي تزخر تجربته الموسيقية بتنوعها وتعددها بين العزف على الآلات الموسيقية وحلمه في التلحين الذي كان يراوده منذ صباه ، ولكنه تخلى عن كل هذا وتبنى مناهج النقد والبحث النظري الذي أشد ما يفتقد اليه المشهد الموسيقي العراقي والعربي الحافل بثراء المنجز الابداعي وتنوعه ، وان الاستاذ علي المعلا يعتبر واحداً من القلة القليلة المتبقية والذي يمتلك لمثل هذه المؤهلات.

هيئة تحرير موقع الوتر السابع

 

 لقاء فني ....حاورته : الأعلامية راجحة التميمي
 
 كيف بدأت نشأتك الموسيقية ؟
 
 بدات نشأتي الذاتية مع الموسيقى منذ الطفولة وتحديدا في المرحلة الابتدائية  التي كانت في دولة الكويت آنذاك حيث كانت مادة الموسيقى احدى المواد المثبته ضمن جدول المنهاج الدراسي في فترة السبعينيات انذاك بالاضافة الى وجود العديد من الالات الموسيقية المتوفرة في المدرسة مثل آلة البيانو وآلة الاكورديون والعديد من الآلات الايقاعية في جميع مدارس دولة  الكويت في تلك الحقبه وقد تعلمت العزف على احدى الآلات الايقاعية منذ الطفولة وتحديداً آلة الاكسيليفون  وهي آلة ايقاعية  نغمية اصواتها مرتبة  على شكل الواح خشبية صغيرة متسلسلة كأصوات البيانو وتشبه آلة الماريمبا  ولكن اصغر منها قليلا حيث يتم العزف عليها بعصاتين من اللباد وهي تنمي الايقاع والصولفيج معا لدى الاطفال حيث كانت البداية ونقطة الانطلاق نحو عشق الموسيقى منذ الطفولة
 
 ومع بداية ريعان الشباب وعند سن الخامسة عشر قمت بشراء آلة عود من احد الاصدقاء كان قد جلبها والده له من سوريا بمبلغ عشرة دنانير كنت قد جمعتها من مصروفي اليومي حيث بدأت اعزف بعض الاغاني الشعبية وعندها كنت قد اتقنت عملية الدوزان لآلة العود وفي تلك الفترة وبعد ثلاثة سنوات كنت على وشك انهاء دراسة المرحلة الثانوية العامة وكان ذلك  عام ٨٦ —١٩٨٧ وقد هيأت نفسي للالتحاق بالمعهد العالي للموسيقى بدولة الكويت ولتحقيق تلك الغاية  قررت ان اتعلم اصول الموسيقى بشكل اكاديمي لكي اجتاز امتحان القبول في المعهد وعندها ذهبت لأحد كبار اساتذة الموسيقى في الكويت وكان الاستاذ المصري صلاح السعيد رحمة الله عليه عازف آلتي العود و التشيللو في فرقة الاذاعة المصرية الذي لن انسى فضله ما حييت فعند مشاهدته الى مستواي العزفي من خلال تجربتي الفردية بالتعلم على السماع فقط , قال لي لن ابدا معك من الصفر , فانت الان مهيأ لكي تتعلم العزف من خلال قراءة النوطة الموسيقية ومما لا زلت اتذكره انه قد بدأ تعليمي في الدرس الاول للنوطة الموسيقية كانت اغنية اهواك للفنان عبدالحليم حافظ والدرس الثاني كان اغنية ساعة مابشوفك جنبي للاستاذ محمد عبد الوهاب
 
  متى جاءت خطوتك الاولى لدراسة الموسيقى بشكل اكاديمي؟
 
في عام ١٩٨٨ تقدمت للدراسة في المعهد العالي للفنون الموسيقية بدولة الكويت الا ان القوانين واللوائح والنظم التعليمية لم تكن تسمح للطلبة العرب بالالتحاق في صفوف المعهد وكانت تلك احدى العلامات الفارقة في حياتي التي صادفتني في بداية مشواري مع 
الموسيقى الا ان الملحن الكويتي الاستاذ صقر البعيجان الذي كان يشغل منصب عميد المعهد للدراسة الاعدادية قد سمح لي ان انضم الى معهد الموسيقى مع صفوف الدراسات المتوسطة وذلك يستدعي التنازل عن اربع سنوات دراسية مما يعني ان اقوم بإعادة الدراسة المتوسطة من جديد وهذا الامر كان بالنسبة لي خيار قاسي بين ان اشبع طموحي في دراسة الموسيقى او ان اتنازل عن اربع سنوات من مستواي التعليمي وفي تلك الفترة كنت قد واضبت الحضور للمعهد بشكل يومي لحضور بعض الدروس والتدريبات الموسيقية ولكن بصفة غير رسمية 
 
ومما لا انساه ابدا الموقف النبيل للاستاذ الدكتور يوسف الدوخي معي الذي كان يشغل منصب عميد المعهد آنذاك الذي ارسلني الى ثلاثة اساتذة كبار في حقل الموسيقى التقيت بواحد منهم فقط وهم الاستاذ الدكتور احمد باقر الذي كان المشرف العام للانتاج الموسيقي في اذاعة وتلفزيون الكويت والاستاذ الدكتور خالد القطامي الذي كان مديراً لفرقة تلفزيون الكويت لغرض حضور تدريبات الفرقة في منطقة الفنطاس الا انني لم التقيهم فقد كان لقائي مع الملحن المصري الكبير الاستاذ فوزي جمال عازف آلة العود في فرقة الإذاعة الكويتية  وكانت تجربتي الشخصية في الحضور الى مقر الاذاعة الكويتية لمشاهدة الموسيقيين وحضور البروفات للاعمال الغنائية في مقر ستوديوهات الاذاعة واللقاء ومشاهدة كبار الفنانين الكويتيين والعرب والاحتكاك بهم  قد اضاف لي خبره واسعة جدا شكلت لي ارضية خصبة للتعرف على اسلوب الموسيقى الشرق عربية عن كثب في واحدة من ارقى الاذاعات العربية  
 
هل وجدت تشجيع ممن حولك في بداية دراستك للموسيقى ؟ 
 عند دراستي للموسيقى لم اواجه اي صعوبة من الاهل اطلاقاً فقد شجعني والدي رحمة الله عليه وكان حريصاً جدا ان اكمل مرحلة الثانوية للإلتحاق بالدراسة الجامعية الذي شجعني للسفر الى بغداد لغرض اكمال الدراسة في حقل الموسيقى وقد تحقق ذلك بفضل الله تعالى 
 
 حدثنا عن تجربتك الدراسية في بغداد 
 في عام ١٩٩٢ التحقت بقسم الفنون الموسيقية في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد وقد كانت لجنة السلامة والقبول برئاسة الاستاذ الدكتور طارق حسون فريد  وبمعية الاستاذ الدكتور خالد ابراهيم العزاوي واتذكر قدمت اغنية الليل  بدموعه قاسي للفنان سيد مكاوي غناءاً وعزفاً على آلة العود واثناء مجريات المقابلة عَلِم الاستاذ الدكتور طارق حسون فريد انني كنت  ارتاد المعهد العالي للموسيقى في الكويت وعلى معرفة بالاستاد الدكتور يوسف الدوخي شقيق الفنان الكبير عوض دوخي فقد كانا على صداقة حميمه حيث كان الدكتور طارق قد سبق وان قام بزيارة الى الاستاذ يوسف الدوخي في مقر عمله بدولة الكويت في عام ١٩٨٩ وقد طلب مني ان اصف له وصفاً دقيقا لمكان المعهد الذي كان آنذاك في منطقة الجابرية وشكل البناء العام له الذي كان يتكون من بنايتين متجاورتين وتحديد مكتب الاستاذ يوسف وطبيعة المدخل العام للمعهد ومكان وشكل المصعد الكهربائي , وقد شرعت في ذلك وعندها قاطعني وقال بلهجته الدارجة خلاص يكفي لقد اجدت الوصف , ثم التفت الى الدكتور خالد ابراهيم  وقال له والله لقد صدق في كل ما نطق وعندها قال لي هل تحفظ لحناً لاستاذك يوسف الدوخي فاسمعته خالدة الفنان عوض دوخي صوت السهارى عزفاً وغناءاً على آلة العود وعند انتهائي من الاداء استبشر مبتسماً وقال احسنت الان سنبتدأ امتحان السمع من خلال الاداء الايقاعي وآلة البيانو وعندها قام بعمل مجموعة من الايقاعات تارة على يديه وتارة بالضرب على الطاولة الخشبية التي امامه وانا بدوري اعيدها كما يفعلها تماما دون زيادة او نقصان وكان من ضمنها ضرب الجورجينا العراقي وضرب الوحدة الكبيرة  وضرب البمب ذو الوحدة الطويلة الذي اتقنته ايما اتقان بعدها نهض الى آلة البيانو وطلب مني اداء صوت النغمات الصادرة عن البيانو كما هي وقام بعزف درجات فردية الواحدة تلو الاخرى وانا ارددها بعد الانتهاء من سماعها ثم شرع بعمل اكوردات نغمية على شكل هارموني تارة ثلاثية وتارة رباعية وصولاً لاداء - الدمنشد 7 - الانقلاب السابع  وانا ارددها تماما كما هي بعدها عاد وجلس الى مقعده وطرح عددأ من الاسئلة وقد اجبتها جميعا حتى وصل الى سؤال خطير ومهم جدا حين قال ما هو هدفك من دراسة الموسيقى وماذا تريد ان تكون بعد التخرج  ؟
 
فاجبت ببراءتي المعهودة اريد ان اصبح ملحن وعندها قال نحن لا نخرج ملحنين او مطربين لقد افتتحنا هذا القسم لنخرج مفكرين ودارسين وباحثين موسيقيين مهمتهم الوحيدة هي النهوض بالموسيقي من اجل رفعة وسمو المجتمع ومن تلك اللحظة تحديداً التي لازالت عالقة في ذهني قررت ان اغير مسار اتجاهي في الموسيقى وكان الفضل في ذلك الى البذرة الحسنة التي غرسها في عقلي وافكاري استاذي الدكتور طارق حسون فريد
 
التي جعلتني اتجه نحو البحث والتحليل الميزوكولوجي وقد انجزت اثناء فترة الدراسة بحثاً تفصيلياً عن طور العياش الغنائي في بادية السماوة تلك المدينة الجميلة الغافية على نهر الفرات التي اقطنها حتى اتممت بحث التخرج الذي جاء بعنوان - كاظم فندي حياته وفنه
 
ومن الشذرات الجميلة التي لا تنسى في حياتي هي الشهادة الاعتبارية التي منحني اياها استاذي الدكتور طارق حسون فريد حين جمع طلبة قسم الفنون الموسيقية من المرحلة الاولى الى المرحلة الرابعة في القاعة الكبرى للقسم وهو يرفع ورقتي الامتحانية لمادة تأريخ الموسيقى بأعلى يديه مخاطباً طلبة القسم جميعاً من اراد ان يكون باحثا موسيقياً فاليكتب كما كتب - علي المعلا - فهذة الاجابة العلمية جديرة ان تكون مقالاً فنيا عن تاريخ الموسيقى الاوروبية  حتى قال كلمته المدوية  في تأريخ حياتي العلمية لم ارى افضل من طلبتي النجباء وهما اثنان فقط , حيدر منعثر في تاريخ المسرح وعلي حنون المعلا في تاريخ الموسيقى وكانت تلك الشهادة السامية نقطة انطلاقة في حياتي لن انساها ماحييت  
 
   من هو الموسيقي او المطرب الذي تأثرت به في بداية  حياتك ومن هو مثلك الاعلى في الموسيقى ؟
 
الحقيقة منذ الطفولة احببت صوت الفنان الراحل فريد الاطرش والفنان الراحل عوض دوخي حيث كنت اتسمر امام شاشة التلفاز حين تعرض اي اغنية لاي منهما آنذاك ولم اكن اعرف لماذا هذا العشق  فقد كان الهاماً ربًَانياً لا شك اما مثلي الاعلى في الموسيقى بلا ادنى تردد هو استاذي الكبير البروفيسور الاستاذ الدكتور طارق حسون فريد الذي تتلمذت على يديه  وحفظت اغلب ملاحظاته العلمية التي كان يحرص ان يغرسها في نفوسنا حين كنا طلبة على مقاعد الدراسة 
 
 ماهي الآلات الموسيقية التي عزفت عليها وأي آلة اقرب اليك؟
 الآلات الموسيقية التي عزفت عليها , الة الاكسيليفون الايقاعية لمدة اربع  سنوات في مرحلة الطفولة وآلة العود الوترية في بداية ريعان الشباب في سن الخامسة عشر تقريبا وهي الاقرب الى نفسي ووجداني  دائما
 
 ماذا تعني لك آلة العود وعلي يد من درستها ؟
 
 لكل آلة موسيقية خصوصيتها وبالنسبة لي آلة العود واحدة من اجمل الآلات الموسيقية فهي تعبر عن مكنونات الوجدان والمشاعر  بصدق وعذوبه فائقة وتمنح السلطنة والروحانية بذات الوقت ولا استطيع تصور مسيرتي بدونها ابدا فهي تعني لي الحياة ومن حسن   الحظ انني قد درست آلة العود على يد اربعة من عباقرة العراق الكبار لن يجود الزمان بمثلهم مرتين وهم اسطورة الضروب والاوزان الموسيقي الكبير الاستاذ روحي الخماش والاستاذ الدكتور علي عبدالله والمؤلف الموسيقي الكبير الاستاذ الحاج معتز محمد صالح البياتي وسوليست العود الكبير الاستاذ علي الامام الذين كان لهم الفضل الكبير في تعليمي الانغام والمقامات والضروب والاوزان الموسيقية وجزء كبير من اسرار الموسيقى الشرق عربية 
    
 كيف ولماذا نشأت لديك ملكة النقد والتحليل الموسيقي؟
 
 لعل اهم عامل يسهم في بناء التطور الغيناسيقي لأي شعب او امة هو النقد الميزوكولوجي السليم الذي يرتكز على اسس علمية  متينه فعند غياب النقد العلمي ينعدم التقدم الرصين  في شتى انواع الفنون وبذلك تعم الفوضى ويسود التخلف وتنقرض الفنون ومن هذا المنطلق شعرت بأهمية تواجدي في هذا الميدان لمحاربة الفساد في الذوق العام ولتأشير مواطن الابداع والجمال حيث تكون أما عن الكيفيًَة فهي  تأتي من خلال الخزين المعرفي فكلما كان الناقد او الباحث الموسيقي ملماً بأدواته المعرفية استطاع ابراز مواطن الضعف والقوة في العمل الفني سواء أكان موسيقى او مسرح او سينما او اي عمل فني آخر 
 
نود ان تسلط الضوء على دراستك واهتمامك الاكاديمي لمادة التوثيق والتحليل الموسيقي 
 
علم التحليل الموسيقي يعتمد أساساً على مادة تسمى ( الفورم ) وتعنى - الشكل الموسيقى وتهتم بدراسة القوالب والاشكال والصيغ الموسيقية المختلفة ويطلق على البناء الداخلي للتاليف الموسيقي  والطرائق التي تربط الجمل الموسيقية والغنائية فيما بينها وعلى اساليب مسيرتها وتطورها خلال عملية التأليف وعلى ترابط الاجزاء فيما بينها كوحدة واحدة كاملة 
ولعل اصغر اجزاء الهيكل البنائي لأي قالب موسيقي هو - الموتيڤ Motus او Motive - وهو عنصر الفكرة الابداعية التي يتم من خلالها بناء الهيكل الموسيقي لأي عمل فني ويعرف الموتيڤ على انه اصغر جزء لحني ايقاعي في التكوين الموسيقي وهو يقابل مفردة الكلمة في اللغة  ثم يليه - الفيگار باساج - وهي عبارة عن سلسلة من التونات الموسيقية تأتي عادة مصاحبة لصوت آخر يتضمن اللحن المميز وفي اغلب الاحيان تأتي - الفيگار باساج Figura ‪-‬ passage بطابع ايقاعي مرتب الاكوردات وتأتي بطابعين اما ميلودي او هارموني اي انها تحمل سمة الهارمونية واللحنية وهي تقابل مفردة العبارة الصغيرة في اللغة  , ثم الباساج Passage وهو عادة ما يشكل عبور يأتي في مسيرة الالحان وليس من مواصفاته الاعادة كما في  ال Figura ويكون اكبر حجماً منها وهو يحتوي على سلسلة من الاصوات مرتبة الاكوردات كذلك يمكن ان يحتوي على سلسلة من الفيگورات المعادة وهي تقابل مفردة العبارة المتوسطة في اللغة اضافة الى اجزاء اخرى كثيرة يصعب توضحيها في هذة العجالة مثل اللايت موتيف والبارين والتونالتي والتونينا والتونيك والجملة الموسيقية الكاملة
 
فعند اطلاعي على عدد من النماذج التحليلية للاعمال الغنائية في الموسيقى الشرق عربية  لاحظت انها تفتقر للعلمية الدقيقة في  توصيف مجريات البناء الهيكلي التونالني الصحيح لتلك الالحان العربية الجميلة التي تتصف بالمونوفونية والميلودية ذات الصوت الاحادي الافقي - المونوديه - ومن هنا جاء اهتمامي لتوضيح تلك المسميات ومعانيها وما تتضمنه لطلبة الموسيقى والمهتمين بالموسيقى الشرق عربية 
 
كيف تفسر دور الموسيقى في تقارب الشعوب ؟
 
لا شك ان الموسيقى لغة عالمية فهي فلسفة مبنيًَه على الخيال وقد نشأت لدى الانسان بالسليقة بوصفها خير معبر عن تطلعات الانسان لذلك نرى الامم والشعوب على اختلاف الوانها وثقافاتها تتوق دائما للتعرف على كل ما هو جديد لدى الاخر وبذلك اصبحت الموسيقى وسيلة لايصال الافكار فيما بين الشعوب فحين نستمع الى موسيقى شعب ما لسنا بحاجة الى مترجم فكل ما علينا هو الانصات للتعرف على طبيعة موسيقاهم لاكتساب المعرفة بهدف الاطلاع او التجربة 
 
 متى يصح القول الموسيقى تفوقت على الاداب والدراما والرسم والشعر ؟
 
الموسيقى هي الفن الوحيد بين فنون الارض جميعا التي اعتبرها الانسان القديم بمثابة آلهه فهي بالنسبة له ليست حاجه فطرية  فحسب بل قيمة روحانية حيث كانت تمثل له باب الخلاص من الشر والآثام وقد استخدمها الانسان في جميع طقوسه عند العبادة و الصيد والزرع والحصاد ومع هطول المطر والزواج وعند الولادة او الوفاة وفي طقوس السلم والحرب  وفي مختلف مناحي الحياة اضف الى ذلك انها تدخل في جميع الفنون كالموسيقى في بحور الشعر وعروضه الايقاعية لاسيما بقية الفنون الاخرى كالمسرح والسينما والاماسي الشعرية التي لا تستقيم الا بوجود الموسيقى وعند السؤال ايهما اقدم الرسم الذي جاء على جدران المعابد في الحضارات الانسانية الاولى او الموسيقى لا شك ان الموسيقى هي الاقدم فهي تولد مع الانسان عند لحظات ولادته الاولى فهو يولد باكيا والبكاء صوت والصوت هو مادة الموسيقى الاولى وقد جسدت الرسومات والمنحوتات القديمة على الرقم الطينية الكثير من الآلات الموسيقية التي استخدمها الانسان القديم فكان الرسم خير موثق وشاهد لدور الموسيقى في حياة الانسان فليس هناك فن يضاهي مكانة الموسيقى لدى الانسان مع الاخذ بعين الاعتبار ان الفنون جميعها يكمل بعضها الاخر 
 
 غاية الفنان المبدع ليس التكرار ولا اعادة احياء التراث انما خلق موسيقى للقرن الذي نعيش فيه , كيف ترى ذلك؟
 
 للابداع صور كثيرة ومتعددة فهو لا يقتصر على الخلق والابتكار فحسب فالفنان المتمكن من ادواته الموسيقية سواء أكان مؤلف موسيقي او مطرب او ملحن يستطيع ان يبدع في تطوير الاعمال الفلكلورية القديمة من خلال اعادة احيائها مع المحافظة على سماتها وخصائصها المكونه لها دون التلاعب بالميزان الايقاعي او الجانب الميلودي فكما ان اللحن او الميلودي هو جزء اساس من العمل الغيناسيقي او الموسيقي البحت فالضرب الايقاعي والميزان العام للميلودي كذلك يستوجب المحافظة عليهما دون الاخلال بأي من عناصر العمل الفني مع اهمية التأكيد بتوظيف الاوزان والضروب الايقاعية القديمة والانغام والمقامات السائدة في موسيقانا العراقية والشرق عربية للمحافظة عليها من التلاشي والاندثار كي يتوارثها الاجيال اللاحقة مع اهمية حث وتشجيع الفنان المعاصر على الخلق والابتكار باستخدام الانغام المتفردة والاوزان والضروب الايقاعية النادرة الرائجة في موسيقانا فليس كل جديد جميل 
 
 كيف يبدأ معك الهام تحليل النغم وانت تستمع الى اغنية او نغم بدون نص ؟
 
هناك ما يعرف لدى الموسيقيين - بعقدة الموسيقى - وهي حالة  تصيب اغلب الموسيقيين فالمستمع العادي الغير دارس للموسيقى حين  يستمع الى عمل غنائي او موسقي بحت يسرح معه بخياله بعيدا في فنتازيا مثاليه يعيش معها صور خيالية جميلة تبعث له السعادة  بينما الموسيقي العارف بأصول النغم وعلم الاوزان الموسيقية وطرائق الضروب الايقاعية تجده اقل فنتازيا عن المستمع العادي لان ادراكه الحسي والعقلي يتجه للبحث عن اجابة لأسئلة كثيرة يبدا العقل في استطرادها فتجده يحاول معرفة اسم النغم وتحديد المقام الاصلي للعمل الغنائي وماهي التحويلات النغمية التي جاءت في سير الميلودي وما هو الميزان العام له واي نوع من الضروب الايقاعية المصاحبه لذلك اللحن وهكذا العديد من الاسئلة فحين استماعي الى عمل غيناسيقي جميل اجد نفسي اجيب على تلك الاسئلة واحداً تلو الآخر بحالة نوعاً ما تكاد تكون لا شعورية وما ان تكتمل لدي كل الاجوبة ذهنياً لتلك الاسئلة اجد نفسي ملزما من باب شعوري بالمسؤولية ان اقدم ذلك العمل الابداعي لطلبة الموسيقى لكي يتعرفوا على اسرار الجمال في موسيقانا الشرق عربية الاصيلة
  
 ماهي ابرز تجارب التحليل الميزوكولوجي التي تناولتها في مطالعاتك الموسيقية ؟
 
الحقيقة على مدى اربعة اعوام نشرت العديد من المطالعات الموسيقية ربما تجاوزت المئة مطالعة وبزوايا متنوعة ومختلفة تضمنت العديد من الدروس الموسيقية في الاوزان  والاجناس والانغام  والمقامات اضافة الى تجارب التحليل الميزوكولوجي لكثير من الاغاني العربية  المعاصرة ولعل الابرز منها ثلاثة مواضيع ذات قيمة عليا لطلبة الموسيقى الاولى اوضحت فيها عائدية وجذر نغم المخالف العراقي وعلاقته الوطيدة مع نغم النهاوند المرصع من خلال ستة مطالعات علمية مطولة اشبعتها بالادلة والبراهين العلمية الرصينة والثانية اوضحت فيها النغم الحقيقي لأغنية - فوق النخل - وهو نغم النهاوند بسلمه الكبير وليس نغم الحجاز كما هو شائع لدى المجتمع  الغيناسيقي العربي والثالثة اوضحت فيها مسمى النغم الحقيقي  لأغنية الاستاذ محمد عبدالوهاب - كل ده كان ليه - حيث الشائع بين اوساط المجتمع الغيناسيقي العربي انها من نغم  البيات - والحقيقة  هي من نغم - الزيرفكند-  المتضمن  لتجنيس النكريز والبيات معاً وهذا الامر لم يتناوله جميع نقاد الموسيقي العربية سواء اكان المصريين او العرب جميعا فكانت تلك المطالعات البحثية  المتفردة علامة مضيئة في تأريخ البحث الغيناسيقي المعاصر الذي لم يسبقني فيه اياً من نقاد الموسيقى في جميع اقطار الوطن العربي 
        
 نود التعرف على الوقت الذي تمنحه للموسيقى متى يكون مع تعدد الالتزامات حولك حيث الاسرة والعمل ؟
 
 الحقيقة احاول جاهداً التوفيق بين العناصر الثلاثة قدر الامكان فالبحث في حقل الموسيقى عملية شاقة ومضنيه كثيراً وتاخذ من الوقت والجهد الكثير ومن المال ليس بالقسط اليسير ايضا من خلال اقتناء وشراء الكتب والمراجع والمصادر العلمية الرصينة فمن يلج هذا البحر عليه ان يعتاد مواجهة العديد من الصعوبات الا انه مع الانفتاح العالمي الجديد من خلال عولمة الانترنت فقد اصبح العالم اشبه بعلبة حلوى صغيرة واضحى بالامكان الحصول على المعلومة من خلال شبكة الانترنت ان توفرت عند تعذر وجود المصادر البحثية المكتوبة والجدير بالذكر ان الكتابة والتدوين وسرد الافكار في حقل الموسيقى هي ملكة فكرية خاصة فالافكار تأتي كالالهام الذي ياتي للمؤلف الموسيقي او الملحن فأحيانا يمضي الاسبوع او الاسبوعين  او اكثر دون استطاعتي كتابة حرف واحد لمطالعة موسيقية واحدة واحيانا على العكس من ذلك تجدني اكتب ثلاث مطالعات بحثية مطوله في ثلاثة مواضيع مختلفة في اسبوع واحد وغالبا ما تكون في اوقات الفراغ او في عطلة نهاية الاسبوع 
 
 من المعروف جميع الآلات الموسيقية مصدرها الشرق ثم انتقلت الى اوروبا - حتى البيانوا مصدرها عرب الاندلس ( هذا رأي الباحثين الغربيين ) لماذا يحاول بعض العازفين الموسيقيين ان يطيِعوا آلة العود نحو النغم الغربي والهارموني تقليداً للغرب ؟
 
 لا شك ان آلة البيانو الايطالية المعاصرة جاءت عن تطور سابق لآلاتين موسيقيتين من ذوات المفاتيح سبقاها في الظهور وهما الكلافيكورد والهاربيسكورد اللتان جاءتا عن تطور آلتي القانون والهارب وكلاهما يتجذران عن آلة القيثارة السومرية الموغله في تأريخ العراق القديم ولعل تكنيك الهارموني والكونترابوينت يتجسد بوضوح باستخدام آلة البيانو وما استخدام ذلك التكنيك على آلة العود العراقية ذات الجذورالاكدية الا تجسيداً لحوار حضارتي الشرق مع الغرب فاستعمال اساليب العزف الحديثة ذات التكنيك العالي امر حسن على آلة العود يظهر الامكانية العالية للعازف الانفرادي لكن بذات الوقت يجب ان لا يكون على حساب أصالة آلة العود ذات العبق الموسيقي الشرقي البحت كونها آلة شرق عربية اتسمت بطابع السلطنة النغمية والروحية الشرقية لأنغام ومقامات الموسيقى الشرق عربية    
 
كيف النهوض بواقعنا الموسيقي العراقي ؟
 
ترتقي الامم والاوطان بالعلم وانتشار المؤسسات العلمية الرصينة فالدور الاكبر يلقى على عاتق وزارتي التربية والثقافة والتعليم العالي فمن الاهمية بمكان ادراج مادة الموسيقى ضمن المنهاج الدراسي لصفوف المدارس الابتدائية وهذا الامر سائد في جميع دول المنطقة باستثناء العراق حيث تدرس مادة الموسيقى في المعاهد الموسيقية فقط لطلبة الدراسة الاعدادية وهذة جريمه بحق الناشئة  فالموسيقى يجب ان تبدأ من مرحلة الدراسة الابتدائية على اقل تقدير ان لم نقل من رياض الاطفال اضافة لذلك يستوجب استحداث وتأسيس معاهد موسيقية جديدة في كافة محافظات العراق حيث اكثر من عشرة محافظات عراقية لا يوجد بها معاهد للموسيقى باستثناء بغداد والبصرة والموصل واقليم كردستان وعدد قليل من المحافظات كما يستوجب على وزارة التعليم العالي وجامعة بغداد تحديداً انشاء كلية تربية موسيقية متخصصه اذ لازال قسم الموسيقى في كلية الفنون الجميلة الذي مضى على تأسيسه اكثر من ثلاثون عام هو المتنفس الوحيد لطلبة معهدي الفنون الجميلة و الدراسات الموسيقية لغرض استكمال دراستهم الاولية كما يجدر بوزارة الثقافة اعادة احياء اقامة المهرجانات الموسيقية والدعوة لاقامة المؤتمرات الموسيقية العلمية على المستوى المحلي والعربي اسوة ببقية الدول العربية
 
 كيف ترى التعليم المنهجي للموسيقى في العراق ؟
 
 لعل العراق من اوائل الدول العربية التي بادرت لانشاء معهد للموسيقي ففي عام ١٩٣٦ تم افتتاح معهد الموسيقى العراقي الذي اصبح فيما بعد معهد الفنون الجميلة في بغداد اسوة بالقاهرة وبيروت كما لحقت به الفرقة السمفونية العراقية التي تأسست في منتصف اربعينيات القرن الماضي حتى تم اعلان انطلاقها فعلياً في عام ١٩٥٩وهذا يعني مضي ما يقارب ثمانية عقود على وجود التعليم الاكاديمي للموسيقي في العراق اضافة الى تأسيس مدرسة الموسيقى والباليه في بداية سبعينيات القرن الفائت الا ان المناخ العام للموسيقى في العراق يواجه عدد من المشكلات في اروقة المعاهد الموسيقية ابرزها قلة الطواقم التدريسية بسبب هجرة اغلب العازفيين الاكادميين والمدرسين الموسيقيين ذوي الاختصاص بعد احداث الحرب الاخيرة التي شهدها العراق ناهيك عن النقص الحاد في الالات الموسيقية كالبيانو والكلارينيت والابوا والفاجوت وسواها من الآلات الهوائية بنوعيها البراس النحاسي والوند الخشبي فضلاً عن الآلات الوترية مع غياب وجود المناهج التدريسية الحديثة لانواع الموسيقى المعاصرة فضلاً عن السياسة القسرية لقبول خريجي طلبة المعاهد الموسيقية في قسم الفنون الموسيقية بكلية الفنون الجميلة  وبأعداد قليلة جدا بسب انخفاض الطاقة الاستيعابية للقسم للتنافس الحاد بين خريجي طلبة الدراسات الاعدادية و المعاهد الموسيقية الممنوحين نسبة عشرة ١٠٪  او العشرة الاوائل فقط وتلك سياسة مجحفه جدا بحق خريجي المعاهد الموسيقية الذين امضوا سنوات طوال في دراسة الموسيقى  فمن خلال منبر الوترالسابع ادعوا اللجنة الوطنية للموسيقى بالتنسيق مع وزارات الثقافة والتربية لتضمين مادة التربية الموسيقية للاطفال في المدارس الابتدائية وتجديد المناهج الموسيقية السائدة في المعاهد الموسيقية كما ادعو وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لانشاء كلية جديدة خاصة بالتربية الموسيقية تتضمن اقسام الدراسات والبحث والتأليف والقيادة الموسيقية والهارموني والكونترابوينت والموسيقتين الغربية والشرق عربية كما لا يفوتني دعوة وزارة الثقافة  لإعادة احياء مشروع دار اوبرا بغداد لما له من اهمية كبرى تليق بتاريخ العراق وغرسه الحضاري         
 
تهيئة الطابعة   العودة الى صفحة تفاصيل الخبر