تفاصيل المقال
حكايات من الماضي الدموي .. 26 عاماً مرت على إعدام صوت الجنوب صباح السهل
28-06-2019
حكايات من الماضي الدموي .. 26 عاماً مرت على إعدام صوت جنوبي رخيم ..
جريدة «البينة الجديدة» تستذكر المطرب الشهيد صباح السهل .. وشقيقه يروي القصة الكاملة لإعدامه
بقلم / حمودي عبد غريب
مرت الذكرى السادسة والعشرون على ارتكاب جريمة من طراز الجرائم المختارة على هوى السلطة الجائرة ودستورها الذي لا يشبه كل دساتير العالم الخاص بعهد الدكتاتورية المقيتة حين نفذ الحكم بتأريخ 17/5/1993 بإعدام الفنان والمطرب العراقي الجنوبي (صباح السهل) شنقاً حتى الموت ومهدت زوجته الثانية كل السبل المتاحة لها لارساله بدهاليز المخابرات وذلك بتاريخ 4/4/1993 بموجب تهمة التهجم على شخصية رئيس النظام البائد صدام حسين ونجله عدي والسلطة وبعد ثلاثين يوما من التحقيق صدر الحكم بقضيته في 2/5/1993 بالاعدام ومصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة..
تشكلت محكمة المخابرات ببغداد بتاريخ 2/5/1993 برئاسة القاضي ابراهيم سهيل نجم وعضوية راضي سعد احمد وصلاح مهدي كريم المأذونين بالقضاء واصدرت قرارها الآتي: حكمت المحكمة على المدان صباح محسن محمد حسين السهل بالإعدام شنقاً حتى الموت استناداً لاحكام المادة ”225“ من قانون العقوبات الشق الثاني الفقرة الاولى، مع احتساب مدة موقوفيته اعتباراً من 4/4/1993 ولغاية 3/5/1993 ومصادرة امواله المنقولة وغير المنقولة. وتم تنفيذ الحكم في 17 مايس 1993 ليرحل هذا الفنان والصوت الشجي مودعاً حياته الفنية من غير أن يتوقع أن تكون بهذه النهاية المؤلمة الحزينة..ليترك رصيده الفني الغنائي في ذاكرة العراقيين ويلتحق بقافلة الشهداء وضحايا النظام السابق.
وفي هذه المناسبة يتحدث لنا الشاعر عبد الرحمن الشطري ليروي القصة الكاملة لإعدام شقيقه المطرب صباح السهل رحمه الله.. يقول الشاعر عبد الرحمن الشطري: أستذكر شقيقي في العديد من المواقف داخل وخارج منزل العائلة قائلاً: «صباح السهل الانسان الودود والمثقف الجميل الانيق المبتسم والصوت الريفي ذو الخصوصية المنفردة بالاداء يحبه كل من استمع اليه وكان يردد أغاني المطرب حسين نعمة في بداية طريقه الفني.. عمل اخي حلاقاً وهو من الحلاقين المشهورين وعملت معه مساعداً في المحل قبل اكماله معهد الفنون الجميلة.. كنت اتوقع له مستقبلا غنائيا زاهرا وفعلاً تحقق ذلك وكتبت له عدة أغان وغناها عبر الاذاعة والتلفزيون.. ولكن ما حال الدنيا التي تضمر لنا من التائهات والخفايا حيث قتل (صباح السهل) على يد وشاية زوجته الثانية التي كان يحبها ويمنحها سره في منزله العائلي ولكن كل شيء كان غير متوقع إطلاقاً.. وما زلت أتذكر مراجعاتي له في دوائر الامن المتكررة وعند ذهابي لاستلام جثته التي تعرفت عليها بين العديد من الجثث وشاهدت آثار حبال المشنقة حول رقبته وقد رافقني الامن وقالوا لي (سر باتجاه مقبرة الكرخ) ولا تفعل شيئا مخالفا للتعليمات وهناك دفن العزيز شقيقي ووارى جثمانه التراب لتنتهي حياته بيوم إعدامه في 17/5/1993 ولكن بقي اسمه وذاكرته لاتزال فينا عائشة حتى يومنا هذا. وبقيت الاغنية الشهيرة (بلاية وداع) وهي من الاغاني الشائعة كلمات الشاعر (عريان السيد خلف) والحان (محمد جواد اموري) رحمهم الله حيث أعطتنا عنواناً لرحلته الفنية في عالم الغناء ولازالت تحزننا حين سماعها وكأنه يقول لنا رحلت عنكم بلا وداع، وأضاف الشطري كان لإعدام أخي بهذه الطريقة والسرعة إدانة لبشاعة وقسوة نظام حكم دموي جائر لحقبة زمنية حكمها الطغاة الظالمين لاسيما عاشها أبناء الشعب العراقي وكان صباح السهل صوتا عراقياً جنوبيا جميلاً.. رحم الله أخي صباح في ذكراه السادسة والعشرين.
صباح السهل .. صوت شجي وفنان شامل المواهب
يعتبر الفنان الشهيد صباح السهل الصوت الشجي الجميل وصاحب الحنجرة التي امتازت بالطبقة الصوتية القوية في أداء الاغنية العراقية والتي ميزته ووضعته مع نجوم الغناء السبعيني الذي اشتهر في حينه بأعذب الالحان وتلك الكلمات المختارة بعناية فائقة من قبل كبار الشعراء والملحنين ليصبح (السهل) ذا شهرة واسعة بين الوسط الفني الغنائي منذ قدومه من محافظة ذي قار الى بغداد بعد مغادرته مسقط رأسه قضاء الشطرة التي ولد فيها سنة 1946 حاملاً الموهبة والتحدي والاصرار لإثبات قدراته وامكانياته لينال النجاح والتفوق ولكنه لم يستمر طويلاً بعد أن بقي (22) عاماً مغرداً وصوتاً صادحاً ليخفت بعدها الى الأبد بعد أن اقتيد الى حبل المشنقة التي قطعت أوتار حنجرته الذهبية بلا رحمة وإنسانية تدرك منزلة ومكانة الفنان لدى الشعب، فالقسوة هي التي تحكمت بقرار السلطة التي لا تحترم أبناء شعبها ولا تراهم إلا بعين الحقد والكراهية لكل ما هو جميل يثير بغضهم وحقدهم للبشرية جمعاء وهذا الفتى الجنوبي واحد من هؤلاء البشر الابرياء وضحايا جور الحكام.صباح السهل هو ذلك الفنان الملتزم بفنه والمتميز عن باقي أقرانه من المطربين الذين سبقوه وعمل ببداية السبعينيات بمشواره مغنياً بفرقة الفنون الشعبية وكان على موعد مع النجومية والشهرة في أولى أغانيه (عيونه تركيات يرمن ابغداد) بثت بإذاعة صوت الجماهير ليشق طريقه بكل جدارة واستحقاق ويجد نفسه ينافس ويزاحم ابناء جيله من المطربين وممن سبقوه أمثال ياس خضر وسعدون جابر ورياض أحمد وحسين نعمة وقيس حاضر وعارف محسن ومن نجوم الغناء السبعيني الآخرين آنذاك مضافة الى مواهب متعددة وقد عمل في بداية مشوار شبابه حلاقًا وخطاطاً ورساماً وعازفاً إضافة الى كونه مطرباً وبعدها تنوعت محطاته الفنية هنا وهناك ليمسك بخيوط الشهرة حين تلقفته أيادي الملحن الكبير محمد جواد أموري بعدما لمس فيه حلاوة صوت بحنجرة واعدة جديدة تختلف عن الآخرين من أقرانه ومن سبقوه ليرسم خطواته الناجحة بلحن (اشلون اكول هواي وشلون اعوفه) الحان محمد جواد اموري، وهي بصمة فنية رائعة ثم أغنية (بلاية وداع) كلمات عريان السيد خلف والحان الراحل محمد جواد أموري وغنى بعدها للشاعر الراحل (جبار الغزي) أغنية (عطشان كلبي وملهوف.. درب الهوة اندليته) و(لكتب على صدر الحمام) و(تاني يا بنية تاني) وجميعها الحان محمد جواد اموري والتقى مع كمال السيد بلحن جديد (اخذ شوكي) للراحل (كاظم الرويعي) وعاد مع كمال السيد مجدداً باغنية (وفه الناس) للشاعر كريم راضي العماري ليستمر تألقه ويلتقي مكتشفه الاول الراحال (أموري) في اغنية شهيرة (نوبة شمالي الهوة، ونوبه الهوة جنوبي) كلمات الراحل جودت التميمي وهذه الاغنية نالت شهرة كبيرة في الوطن العربي وتغنى بها الكثير من المطربين العراقيين والعرب في جميع المحافل الغنائية والمناسبات ومن أغنياته المشهورة (حبينه يا شوك العمر حبينه) كلمات الشاعر بشير العبودي و(يا بو الميجنة) للشاعر مكي الربيعي وهكذا نجح السهل في اثبات قدراته الصوتية لجمالية الاداء بالفخامة والسعة والغلظة لحنجرته الذهبية التي امتاز بها وبذلك الظهور للوجه الجميل والانيق أخذ نجمه يسطع في عالم الغناء السيعيني بسرعة البرق,,فيما أمتاز بمزاولة عدة مهن حيث كان الشهيد صباح السهل يعمل أضافة لكونه مطرب فهوحلاق ومصمم ورسام وخطاط ومصورويجيد العزف لعدة آلات موسيقية.
نقلاً عن جريدة البينة الجديدة
المزيد من المقالات