تفاصيل المقال
في نادي الألقاب الفنية
02-06-2020
تستطيع ببساطة أن تلاحظ حالة الولع لدى الفنانين بالألقاب، على الرغم من أنّ اسم الفنان هو الذي يبقى مع الزمن وينسى الناس تماماً اللقب. يصبح اسم الفنان مع مرور الأيام وتراكم نجاحاته، العلامة المميزة، فأنت تقول سيمفونية لبيتهوفن أو لوحة لبيكاسو أو فيلماً لشارلي شابلن أو أغنية لأم كلثوم.
في عالمنا العربي لدينا كرم زائد يصل إلى تخوم الإسراف في منح الألقاب. أطلقت ألقاب كثيرة على كثير من الفنانين والفنانات في بداية انطلاقتهم، مثل لقب «صاروخ»، هذا صاروخ النكتة وتلك صاروخ الإغراء، وثالث صاروخ الإبداع، ثم مع الزمن يُكتشف أنّها مجرد صواريخ من ورق لم تصمد في السماء سوى لحظات، ثم سقطت إلى الهاوية. إلا أن هناك طبعاً، من استحقوا تلك الألقاب على مر الزمن.
أكثر فنان حمل ألقاباً متعددة في تاريخنا هو الموسيقار محمد عبد الوهاب، بدأها في الثلاثينات بـ«بلبل مصر» وفي الثمانينات مُنح لقب «موسيقار الأجيال»، و«مطرب الأمراء» ثم «مطرب الملوك والأمراء»، فـ«الدكتور» محمد عبد الوهاب بعد أن حصل على الدكتوراه الفخرية في عيد الفن عام 1976، ثم «اللواء» محمد عبد الوهاب بعد أن استقبل الرئيس أنور السادات في المطار مرتدياً زي اللواء عندما كان يقود الفرقة الموسيقية العسكرية أثناء عزف السلام الوطني «بلادي بلادي» عام 1979، وسبق أن أطلق عليه في الستينات لقب «موسيقار الجيل»، وعندما امتد به العمر في السبعينات صار «موسيقار الجيلين»، وقبل الرحيل وبحكم الزمن وتتابع الملحنين أصبح «موسيقار الأجيال».
أكثر مطرب من هذا الجيل يسعى للاستحواذ على القسط الوافر من الألقاب هو تامر حسني، ودائماً ما يحاول أن يضع لنفسه مكانة خاصة، فهو مطرب الجيل، ثم منح نفسه لقب أحسن مطرب في مصر، وتمدّد جغرافياً ليصبح الأفضل عربياً، وبعدها قالها مباشرة إنّه «أسطورة القرن الـ21»، على الرغم من أنّه لا يزال أمام القرن أكثر من 80 عاماً فإنه صادر على المستقبل وأكد أنّه فقط «الأسطورة».
هناك ألقاب يمنحها الناس لمن يحبونهم وألقاب أخرى يسهم الفنان بانتشارها ويطلقها على نفسه، فرحاً بها.
ولا بدّ للتنويه بأنّ لقب الفنان يبقى ويستمر، إن كان صادراً بمحض إرادة الناس وبعد إعجابهم بما يقدّمه هذا الفنان وتقديرهم له، ولا بدّ من الإشارة إلى دور الإعلام وما يلعبه من دور رئيسي في الترويج للقب حتى يصبح مرادفاً للفنان، مثلاً فريد شوقي حمل لقب «الملك»، فالغالبية الساحقة حين تريد ذكر اسمه تقول «الملك فريد شوقي»، بينما فريد كان يتمنى لقباً آخر لم ينله وهو «فنان الشعب»، هذا اللقب كان من نصيب اثنين فقط على الساحة الفنية المصرية، هما في الموسيقى سيد درويش وفي التمثيل يوسف وهبي.
كان سيد درويش عندما يوقّع عقوده يكتب اسمه سيد درويش، ويلحقه بصفة خادم الموسيقى الشرقية، منتهى التواضع، ولهذا فإنّ لقب فنان الشعب يليق به حقاً.
فيما أخذ نجيب الريحاني لقب «كشكش بيه»، من خلال تلك الشخصية التي كان يؤديها في مسرحياته، الثري الذي يأتي من الريف إلى القاهرة، ثم يبدّد أمواله في الملاهي الليلية.
قد يطيب لنا أن نتشبه بالأجانب باعتبارهم المرجعية، على الرغم من أنه لا مرجعية في الفن سوى التراث الوطني، فقد أطلق على فنانة المسرح فاطمة رشدي لقب «سارة برنار الشرق»، ولها لقب آخر «صديقة الطلبة»، لأنّها كانت تفتح مسرحها يوماً في الأسبوع مجاناً للطلبة.
ومن الألقاب أيضاً التي تشبهنا فيها بالمرجعية الأجنبية أيضاً «تشارلي شابلن العرب» التي كانت من نصيب المونولوجست محمود شكوكو.
للمطربين ألقاب تسبقهم، فقد أطلق على عبد الحليم «العندليب» وصباح «الشحرورة»، وفيروز «جارة القمر»، ونجاة «صوت الحب»، وفايزة أحمد «كروان الشرق»، وأم كلثوم «كوكب الشرق» و«سيدة الغناء العربي»، وإن كان اللقب الشعبي الذي ظلّ مرادفاً لها هو «الست».
وديع الصافي «صوت الجبل»، فهو بالفعل من أقوى الأصوات العربية وظل حتى بلغ التسعين من عمره، يغني ويطرب الجميع بصوته. فهو مطرب المطربين، حتى أنّ عبد الحليم كان يداعبه قائلاً: «إحنا جنبك يا وديع ننفع ننادي على لبن في الصباح». مع العلم أنّ وديع الصافي ليس اسمه الحقيقي، بل هو لقبه أو اسمه الفني، فاسمه وديع فرنسيس، ولكنّ صوته الصافي جعله مرادفاً لاسمه.
ولدينا من الألقاب المستقرة «الهضبة» عمرو دياب، و«الكينغ» محمد منير، وكل منهما صار لديه جمهوره الذي لا يناديه سوى بصفته. جورج وسوف «سلطان الطرب»، ومحمد عبده الذي لحق أواخر زمن الستينات، صار يلقب بين المطربين باسم «فنان العرب».
ومن لا يذكر النزاع الذي حصل قبل سنوات بين هاني شاكر وصابر الرباعي، بشأن لقب «أمير الطرب العربي»، حين تمسك هاني به، وكان صابر قد حظي به من قبله، إلا أنه وبذكاء ابتعد عن هذا الصراع وتنازل عن اللقب للفنان المصري هاني شاكر.
أحياناً وفي البدايات عادة، عندما تنجح أغنية، تتحول إلى لقب مثل المطربة شيرين عبد الوهاب، عندما نجحت لها قبل 15 عاماً أغنيتها «آه يا ليل»، أطلقوا عليها اسم «شيرين آه يا ليل»، ولكن بعد أن تعددت نجاحاتها صارت فقط تحمل اسم شيرين من دون «آه يا ليل».
الألقاب لا تصنع النجوم، لكن الحقيقة أن النجوم تتوق إليها وتبحث عنها، وكما يقول الشاعر السوري نزار قباني: «الحب في الأرض بعض من تخيلنا/ لو لم نجده عليها لاخترعناه»، فإن الألقاب أيضاً بعض من تخيل النجوم لو لم تطلقها عليهم الصحافة أو شركات الإنتاج لاخترعوها وأطلقوها على أنفسهم.
مثال على ما سبق، أنّ لقب ملك الإحساس للفنان اللبناني فضل شاكر، الذي كان يحمله، أطلقه عليه مريدوه وكان حقاً يمثّل صوت الإحساس الذي يرشق في القلب، لنراه بعدها يحمل سلاح كلاشنيكوف، بعد أن تمكنت منه منظمات متطرفة وغسلت دماغه، ليبدأ بإعلان تحريمه للفن.
الألقاب تسقط مع الزمن ولا يتبقى سوى اسم الفنان مجرداً.
لم تُطلق فاتن حمامة على نفسها «سيدة الشاشة العربية»، ولكن الجمهور منحها تلك الصفة، إلا أن عدداً من معاصريها مثل مريم فخر الدين كثيراً ما كانت تحتج قائلة: «إذا كانت هي سيدة، فهل نحن في هذه الحالة الخدم؟». بيد أن فاتن حمامة في عام 1996، حظيت بمكانة أخرى «نجمة القرن»، وكُرّمت بعد استفتاء لأفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، لتحظى بالمركز الأول، فكانت هي نجمة القرن ومقصود به طبعاً القرن العشرين، الذي كانت هي واحدة من علاماته المضيئة منذ نهاية الثلاثينات.
تظل الألقاب مجرد معركة على سراب، وتبقى حقيقة واحدة وهي الأعمال الفنية التي تخلّد اسم الفنان، وتظل مع الزمن وحدها قادرة على أن تمنح اسمه الوهج والبريق والحضور، بل وأيضاً الحياة، بعد عمر طويل.
المزيد من المقالات