تفاصيل المقال
وداعاً احمد الجوادي
09-06-2020
الموسيقار أحمد الجوّادي 1952- 2020
صديق الصبا ورفيق الايام الجميلة .. وداعاً
سيّار الجميل
علمت قبل قليل نبأ رحيل الصديق العزيز الموسيقار الرائع احمد الجوادي في السويد متأثرا بوباء كورونا ، اذ عانى منه في الايام الاخيرة ، وكنا نترقب تحسن صحته ، ونتمنى له الشفاء وان يتخلص منه ، ولكنه قضى عليه ويا للاسف الشديد ، ففارقنا مع كلّ الحزن والاسى .. لقد عرفت هذا الفنان الانسان الرائع منذ ايام الطفولة والصبا ، فقد ولدنا في العام نفسه 1952 بمدينة الموصل أم الربيعين ، وترعرع كل منا في ظل ابوين قاضيين صديقين حميمين ، فهو ابن القاضي الاستاذ عبد الهادي الجوادي ، وهو حفيد العلامة احمد افندي الجوادي رحمهما الله . عرفت أحمد انسانا رائعا هادئا رومانسيا بريئا وطيبا في كل مراحل حياته وزاملته في المدارس الاولى وكان يهوى الموسيقى ويعشقها منذ صغره ، وتوثقت عرى صداقتنا في الثانوية الشرقية بالموصل رفقة نخبة رائعة من الاصدقاء المبدعين ، وعند تخرجنا فيها ، افترقنا فكل منّا ذهب للدراسة في مكان، فكان ان ذهب أحمد الى مصر، وانضم الى المعهد العالي للموسيقى (الكونسيرفتوار ) بالقاهرة، وحصل على الباكالوريوس في الموسيقى بامتياز 1972- 1977 م وبقي سنة كاملة يتدرب على يد كبار الفنانين المصريين ، وخصوصا استاذه الموسيقار احمد الحفناوي الذي كان يثمّن موهبته حتى اعتبره خليفته من بعده .
في القاهرة ، اشتهر بعزفه مع الكثير من الفرق الشرقية الشهيرة في القاهرة مثل فرقة النيل وفرقةهاني مهنا، وفرقة التخت العربي بالإضافة لأوركسترا كونسيرفتوار القاهرة. وعرفه العديد من الفنانين العرب الكبار وكان من زملائه في فرقة التخت العربي كلّ من : علي الحجار وأحمد الحجار وتوفيق فريد والسيدة عائشة حسن وغيرهم. عزف مع كبار العازفين المصريين أمثال د. حسن شرارة، د. مصطفى ناجي، وعازف الكمان الشهير المرحوم محمود الجرشة، ود. رضا رجب والأستاذ الحاج سعد محمد حسن وغيرهم وزملاء الدراسة أمثال د. محمود عثمان والأستاذ يحيى الموجي والأستاذ مجدي طلعت والمرحوم فؤاد رحيم وغيرهم، وعزف مع الموسيقار عطية شرارة والموسيقار عمر خيرت ( وكان زميل دراسته ايضا ) وعمر خورشيد وفؤاد الظاهري وغيرهم. كما كانت الراحلة رتيبة الحفني تثمن قدراته وامكاناته العليا .
عاد الى العراق ، وعمل مدرسا في معهد الفنون الجميلة في بغداد ثم في الموصل 1977 – 1991 ومدرسا في مدرسة الموسيقى والباليه 1980 – 1983 ، وكان يعزف أحيانا مع خماسي معهد الفنون الجميلة في حالة غياب الأستاذ غانم حداد. كما عمل عازفا في الفرقة السيمفونية العراقية في قسم الكمان الأول 1977 – 1983 وممثل نقابة الفنانين العراقية في لجنة تنظيم العمل للفرقة السيمفونية برئاسة الموسيقار منير بشير. وعمل عازفا ورئيسا للفرقة الحديثة في الإذاعة والتلفزيون في بغداد 1977 – 1981 وفي الموصل 1984 – 1988.
خرج من العراق نظرا لسوء الاحوال اذ كان يعاني كثيرا ، ملتجئا الى الاردن ، فصار مدرسا في المعهد الوطني للموسيقى في عمان/ الأردن التابع لمؤسسة الملكة نور الحسين ورئيسا لقسم الصولفيج وبعد ذلك رئيسا لقسم المواد المساندة 1991 – 2001. ثم رئيسا للفرقة الشرقية التابعة للمعهد الوطني للموسيقى في عمان وعازفا في الأوركسترا التابع للمعهد (رئيس قسم الكمان الثاني) 1992 – 2001. في الأردن عزف ووزع الكثير من الأعمال لأوركسترا المعهد الوطني.
لقد تخرّج على يديه المئات من الفنانين العرب المبدعين ، وكنا على تواصل دائم ، وكان يتحفني رحمه الله بين آونة وأخرى بابداعاته .. ثم هاجر الى السويد مع عائلته فاستقر فيها ، فكان ان عانى كثيرا هناك ، وقد عزف مع العديد من الفرق السيمفونية السويدية ومجاميع أخرى مثل فرقة سومر وفرقة الأندلس وأوركسترا كابيللا وغيرها. كما عمل مدرسا غير متفرغ لمادة الكمان الشرقي في المعهد العالي للموسيقى في جامعة كوثينبورك السويدية 2004 – 2005
ألف العديد من الأعمال الأوركسترالية وعزفت الكثير من أعماله في السويد والولايات المتحدة ومن أعماله للأوركسترا: بابل ، وبغداد الألم وآشور ومرثية وعلي بابا ورقص الأناضول ويازهرة في خيالي وغيرها وقد ألف موسيقى لمجاميع أخرى مثل النحلة الشرقية للكمان والشيللو والبيانو ورقصة بنت العم للكمان والبيانو وسماعي حجاز لفرقة شرقية ونشيد العراق للأوركسترا السيمفوني وسِهرتُ لكمانين ومن ثم للأوركسترا والكمان السولو ثم وغيرها الكثير بالإضافة لتوزيعه لأعمال عديدة لمؤلفين كبار مثل موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب والأخوين الرحباني ووزع الكثير من الأعمال الغربية مثل بعض أغاني الموسيقار السويدي إيفرت توب والتي عزفت في السويد.
أقام عدة ندوات ومحاضرات وورشات عمل عن الموسيقى الشرقية في السويد . وكان شغوفا بتحليل الموسيقى وبارع في كتابة النوتة على اصول علمية متطورة .. وكان يكتب لي عن حلمه في تطوير الموسيقى العربية الى ان تكون ظاهرة دولية يشغف بها الجميع نظرا لخصائصها الفريدة .. وكان يعاني جدا من عدم اهتمام بلده به في حين اهتمت به مصر والاردن والسويد وثمنت ابداعاته عدة دول اخرى . لقد أثرى الفقيد الثقافة الموسيقية العربية ، وكانت له وجهات نظر خاصة بتطويرها.
شارك في العديد من المهرجانات مثل مهرجان قرطاج في تونس مرتين الأولى مع فرقة التخت العربي المصرية 1977 والثانية مع فرقة الإنشاد العراقية 1979 مع جولة فنية مع أوركسترا الكونسيرفتوار المصري في ألمانيا وإيطاليا 1976 ومهرجان في يوغسلافيا مع الأوركسترا الوترية لكونسيرفتوار القاهرة في 1976 ومهرجانات جرش والفحيص في الأردن سنويا من 1991 إلى 2001 ومهرجان الموسيقى الشرقية في سمرقند/ أوزبكستان في 1997 (وكان رئيسا للوفد الأردني) ومهرجان الموسيقى العربية في أوبرا القاهرة مع الوفد الأردني في 1997 (وكان رئيسا للوفد) و1998 و1999 (عازفا في الأوركسترا ورئيسا للفرقة الشرقية)
ومهرجانات كثيرة في السويد مثل مهرجانات الموسيقى الشعبية في أوميو وستوكهولم ومالمو ويوتيبوري وأوسترسوند وسوندسفال وكروكستراد وفستفال إيفيرت توب. وكانت الصحف السويدية قد اشادت بمكانته العلمية في الموسيقى ..
رحم الله الصديق العزيز الاستاذ الفنان الموسيقار احمد الجوادي رحمة واسعة واسكنه فسيح الجنان .. وعزائي لعائلته ولاهله وكل ذويه من آل الجوادي الكرام في الموصل والى كل اقرابئه واصدقائه وعشاق فنه الراقي .. انا لله وانا اليه راجعون .
سيار الجميل
تورنتو / كندا في التاسع من حزيران / يونيو 2020
المزيد من المقالات