في أيار/ مايو من العام 1998 وبعد ان تأكدنا من وضع الاستاذ روحي الخماش الصحي حيث أمهلوه الاطباء فترة ثلاث أشهر فقط للعيش ، لم نعلمه بمرضه خوفاً على حالته النفسية التي كانت رغم ما يعانيه من الالام الا انها نوعاً ما جيده ، وكان مطمئناً بسبب وجودنا الدائم في بيته ووجود أبن أخية المهندس سامي الخماش الذي ترك عائلته وعمله في عمان وحضر ليعيش مع عمه حيث لازمه لاكثر من شهر في مزرعته لأجل رعايته والاهتمام بكل تفاصيل حياته ، كان سامي الخماش هو الاقرب الى قلب عمه والمفضل عنده دوناً عن بقية الاقارب
لقد مكث الموسيقار روحي الخماش في مزرعتة الواقعة في اللطيفية ( 70 كم جنوب بغداد) التي كان يسكنها برفقة أختيه ( دنيا وفردوس) ولم يكن بمقدوره النزول الى بغداد مما دعاني وعائلتي ( زوجي نجدت الكوتاني وأبنتي أنسام) الى زيارته بشكل يومي لقضاء النهار معه والرجوع وقت المغيب لنعاود الذهاب في اليوم التالي وهكذا
في بيت الخماش كنا نستمع الى بعض التسجيلات القديمة التي حمل البعض منها سامي الخماش من عمان ، قصائد محمد عبد الوهاب وأدوار ام كلثوم القديمة وأغاني اسمهان وفتحية احمد وزكريا احمد وغيرهم من القدامى التي كان يسعد الموسيقار روحي الخماش في الاستماع اليها ، وكانت السعادة تبدو على وجهه وهو يرانا نتجاذب الاحاديث ونملأ البيت نقاشاً وتحليلاً لأعمال محمد عبد الوهاب والحان زكريا احمد والمقارنه بين الحان القصبجي والحان السنباطي وهو مسرور بنا ، كان سعيداً بوجود الجميع من حولة ، واحياناً ورغم مرضه كان يطلب عوده ذو السبعة أوتار ليعزف لنا بعض التقاسيم متبوعة بأحدى سماعياته
وفي يوم من أيام شهر أيار / مايو من العام 1998 ، رافقنا كلا من عازف القانون الشهير الاستاذ سالم حسين الامير واحدى طالبات الخماش وهي عازفة العود الفنانة آمال احمد مينا ، للاطمئنان على حالته الصحية ، ولقد فرح كثير بزيارتهم ،
وبعد تناول وجبة الغذاء وشرب الشاي جلسنا في غرفة الضيوف نتجاذب انا والاستاذ سالم حسين اطراف الحديث بموضوع الموشحات
وقد فاجئنا الاستاذ روحي الخماش ورغم التعب والوهن الذي كان يعاني منه الا انه بدأ بعزف موشح "يا بعيد الدار" في نغم الهزام والذي غنته السيدة أم كلثوم من الحان الشيخ زكريا احمد :
يا بعيد الدار موصولاً بقلبي ولساني
ربما باعَدَكَ الدهرُ وأدنَتكَ الاماني
كلما زاد بي الشوق وفاضت بي شجوني
لذت بالسلوان والصبر وماذا يفعلان
وطلب مني غناءه وقد أديته وكان مستمتع بسماعه
ثم طلب من آمال ان تعزف بعض التقاسيم على العود فقالت له "لا استطيع ان ارتجل التقاسيم" ، فقال لها "بل تستطيعين ولكنك خائفة أمامي" ، فـأمرها في ان تمسك العود وقال لها "ابدئي بمقام الراست ( دودودودودودو) الان اصعدي الى الري قسمي هنا ، الان اذهبي الى البيات" وهكذا بقي يملي عليها بالنوطة الموسيقية طريقة التقسيم لمدة 3 دقائق تقريباً وكانت تقاسيم غاية في الروعة ، وقد فرحت امال جداً ثم قالت له "هذه اول مرة اجرب التقاسيم ولم أكن اعرف انني ممكن ان أعزف تقاسيم ، استاذ روحي انت اليوم أعطيتني مفتاح التقاسيم وسوف لن أنسى لك ذلك أبداً" ... كانت جلسة موسيقية غنائية بأمتياز رغم مرضة ومكابدته للألم (رحمه الله).