تفاصيل المقال
بين اليوبيل الذهبي واليوبيل المئوي لشيخ الموسيقيين الملا عثمان الموصلي- الجزء الأول
20-02-2021
بين اليوبيل الذهبي واليوبيل المئوي لشيخ الموسيقيين الملا عثمان الموصلي- الجزء الأول
الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
تُعد الموسيقى وفن الغناء جزءا أساسيا من ثقافة الشعوب، حيث تُظهر الموسيقى وفن الغناء شيئا فريدا يميّز كل شعب وكل منطقة من مناطقه. فلا غرابة أن تفتخر الدول والشعوب بأعظم موسيقييها: فألمانيا تفخر ببتهوفن، والنمسا تفخر بموزارت وروسيا تفخر بتشايكوفسكي. ويتساءل الكاتب العراقي المعروف الأستاذ زيد خلدون الجميل: " من لدى العرب بشكل خاص؛ والشرق الأوسط؛ بشكل عام في مستوى أولئك العظماء؟"، ثم يجب الأستاذ الجميل: "نعم.. إنه عثمان الموصلي (1854-1923 م)".
الشيخ الملا عثمان الموصلي عَلَم بارز من أعلام الموسيقى الشرقية والعربية، وهو شخصية عصامية فرضت نفسها بقوة على منطقة الشرق الأوسط، وغدت ألحانه بمثابة الفلك الذي تدور حوله الموسيقى في النصف الأول من القرن العشرين في العراق والسوريا ولبنان وفلسطين ومصر وتركيا وإيران، حتى وصلت ألحانه إلى الهند شرقا وإلى اليونان غربا.
والملا عثمان الموصلي رجل ضرير من عائلة معدمة عاش في الربع الأخير من القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين، وقد سخَّر الله له من يعينه ويعلِّمه، فجمع بين قراءة القرآن والشعر والنغم والأدب، وجادت قريحته بعطاء متدفق لا نظير له، فانتشرت الحانه في أرجاء العالم العربي وما جاوره من بلدان.
لقد كان الملا عثمان الموصلي شخصا نادراً أدهش الناس بفطنته ونوادره، وكان وهو البصير قارئاً للقرآن والموالد والتواشيح، ذا صوت ساحر متصوفاً، موسيقاراً، شاعراً، ناثراً، رحالة، ناشراً للكتب.. وكانت له مزايا أخرى قل أن تجتمع في شحص واحد.
ومما يؤسف له حقا أن العديد من ألحان هذا العَلَم العراقي الشامخ تعرضت للانتحال من قبل آخرين أو فقدت هويتها فأصبح يُطلق عليها تسمية (تراث). وقد ترك الشيخ الملا عثمان الموصلي إرثا موسيقيا خالدا ما بين خمسين وثمانين لحننا يحق لنا أن نتفاخر بها، مثل: قدّك الميّاس وفوك النخل فوك وزوروني كل سنة وطالعة من بيت أبوها مرة ويا ام العيون السود والروزانا، وبنت المعبود، وغيرها.
الموصل في الذكرى الخمسين لرحيل الملا عثمان الموصلي:
في العام 1973 مرت على وفاة الملا عثمان 50 سنة، وبالتزامن مع هذه المناسبة عرض الدكتور عادل البكري (1930- 2018) على محافظ نينوى في ذلك الوقت علاء البكري ضرورة إقامة تمثال للملا عثمان في أحد شوارع المدينة بوصفه أحد رموز المدينة. فقام النحات الراحل فوزي اسماعيل (1935-1986) بإنجاز التمثال في العام ذاته عن أصل مصغر أبدعته أنامل الفنان الكبير الراحل راكان دبدوب (1942-2017)، وأقيم التمثال في المنطقة التي حملت اسمه وهي قبالة محطة قطار الموصل. وبالتزامن مع تلك الاحتفالات تم إقامة عدد من الندوات للتعريف بشخصية الملا عثمان احتضنتها عدد من مناطق غابات الموصل. كما قام المرحوم الدكتور عادل البكري بنشر ثلاث كتب عن الملا عثمان.
لقد تعرض ذلك التمثال الى التدمير خلال فترة احتلال الموصل (1914-2017). وقد أعادت بلدية الموصل الحياة من جديد إلى التمثال وذلك بالتعاون مع نحاتي المدينة. وقد قامت الفرق الهندسية والفنية في بلدية الموصل بالتعاون مع فريق من النحاتين على إعادة نحت ونصب نسخة جديدة لتمثال الموصلي في ظروف صعبة وقياسية.
وتجدر الملاحظة أن النحات المغترب عدنان الموصلي كان قد نحت تمثالا آخر للملا عثمان وذكر أن ذلك التمثال يحمل تفاصيل حقيقة لشخصية الملا بملامح حقيقية لوجهه مع طبيعة الملابس وتنسيق الجسم.
وبالنظر للمكانة الكبيرة التي يحتلها الملا عثمان الموصلي في مختلف الأوساط الرسمية والشعبية العراقية، فقد أوصت الأوساط الرسمية في بغداد بإصدار طابع يحمل اسم وشكل يرمز للملا عثمان الموصلي، والذي اُطلاق عليه لقب "المعلم الثالث"، حيث أن المعلم الأول هو أرسطو (384-322)ق.م، والمعلم الثاني هو الفارابي (874-950) م. وقال بيان لوزارة الثقافة ان (التوصيات بتشييد تمثال الملا عثمان الموصلي واصدار طابع يرمز لشخصيته جاء في اثناء عقد جلسة استنكارية وندوة ثقافية نظمتها دائرة الفنون الموسيقية تحت عنوان "الملا عثمان .. نغمة إيمان للوطن والإنسان" على قاعة الشهيد عثمان العبيدي في بغداد.
واوضح البيان "قدمت في الندوة مجموعة من البحوث منها (أنغام خالدة في تنزيلات الملا عثمان الموصلي، أساليب التلاوة في منهاج الملا عثمان الموصلي، الأشعار الصوفية للملا عثمان الموصلي، والتأثير الإبداعي للملا عثمان الموصلي) والتي تعد خلاصة البحوث التي قدمها الباحثون في مجال الموسيقى والمقام العراقي وفي التاريخ الموسيقي القديم والتاريخ الفني المعاصر أيضا".
بغداد في الذكرى الخمسين لرحيل الملا عثمان الموصلي:
وفي العام 1973 أيضا كتب الفنان سالم حسين الأمير (1923- 2015) بالتفصيل عن الفعاليات التي جرت في بغداد احتفاءا بالذكرى الخمسين لرحيل الموصلي.
فقد أقيمت احتفالية خاصة بتلك المناسبة في بغداد، كان نجمها الأول الأستاذ محمد القبانچي الذي غنى القصيدة الآتية والتي صاغ كلماتها خصيصا للملا عثمان:
بــــالألـــم لا تـــــزد مــــا فـــــيا مــــــن ألــــــمٍ ... ففي فؤادي من آلام يكفيني
هيجت في النفس من مكنونها حرقاً ... ودمع عيني يبكيها ويبكيني
فأرحـم دموعـــي جـــزاك الله مكـــرمة ... فإنني ساهر والدمع يؤذيني
عــثمـــانُ يا خــالـــق الأنغـــام ليـلتنــا ... طابت بذكراك في عذب التلاحينِ
إني أُحييك من روحي ومن نغمي ... حيتي مهجتي من بعد خمسينِ
وشارك الفنان سالم حسين الأمير بمعزوفة من (وحي الموصلي) بمشاركة الفرقة الموسيقية وتم عرض لوحة المولوية، وشاركت كذلك الفرقة الموصلية ومطربھا الكبير السيد إسماعيل الفحام، ولوحات وأغان من الحان الملا عثمان.
و قامت الإذاعة العراقية بتكليف الدكتور مالك المطلبي بكتابة مسلسل إذاعي في ثلاثين حلقة تذاع خلال شھر رمضان المبارك الذي كان سيحل بعد أيام قليلة، وقام الفنان كنعان وصفي بدور الملا عثمان الموصلي. وقد انهالت برقيات التھاني ودعوات لحضور احتفالات خارج العراق إلى عمادة معھد الفنون باسم الملا عثمان الموصلي بعد أن اُذيع المسلسل الإذاعي الذي سُجل من قبل الفنانين والممثلين وبعض المطربين طيلة أيام شھر رمضان المبارك.
كما تم إعداد مسلسلا تلفزيونياً لهذا الفنان المتصوف تكفَّل بإعداده الكاتب القصصي والشاعر الأديب عبد الإله حسن وتكفل سالم حسين الأمير بإعداد الأغاني والموسيقى، منها قصيدة (أرج النسيم سرى من الزوراء) لابن الفارض. وقد أخرج ذلك المسلسل المخرج الراحل جاسم شعن. وقد انهالت الطلبات من الفضائيات التلفزيونية العربية على شراء ذلك المسلسل، غير أن دخول الجيش العراقي إلى الكويت حال دون ذلك، فضاع ذلك المسلسل الرائع مع من ضاع واحترق وسُرق.
كذلك صدرت بعض الكتب عن الملا عثمان منھا (عثمان الموصلي في بغداد) للمحامي السيد محمود العبطة، وقد أشادت الصحف العراقية والعربية بأعمال ھذا الرجل الشاعر والملحن العبقري.
مهرجان في أربيل بالذكرى 84 لوفاته:
وفي العام 2007 أقيم في مدينة أربيل عاصمة إقليم كوردستان العراق مهرجان الموسيقار الخالد الملا عثمان الموصلي، وقد شارك به المطرب والموسيقار العراقي المبدع جعفر حسن وغنى فيه أغنية الملا عثمان "دزني وأفهم مرامي":
ندوة علمية بجامعة الموصل بمناسبة الذكرى 86 لوفاته:
وبمناسبة الذكرى 86 لوفاة شيخ الموسيقيين الملا عثمان الموصلي، وفي السابع عشر من شهر تشرين الثاني عام 2009م، أقامت كلية الآداب جامعة الموصل ندوة علمية بعنوان ((الملا عثمان الموصلي عبقرية الإبداع)) وبحضور رئيس جامعة الموصل وعميد كلية الآداب والعديد من الشخصيات الثقافية، وقد تضمنت الندوة إلقاء أربعة عشر بحثا في جلستين تناولت جوانب مختلفة من حياة الملا عثمان وإبداعاته.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى
أكمل قراءة الجزء الثاني من الرابط أدناه
http://www.watar7.com/Articles_Details.php?ID=100
المزيد من المقالات